الإدارة التنفيذية كما ينبغي: مسؤولية تتطلب الخبرة لا مجرد المهارات الناعمة

الإدارة التنفيذية كما ينبغي: مسؤولية تتطلب الخبرة لا مجرد المهارات الناعمة

في عالم الأعمال الحديث، يُساء كثيرًا فهم الدور الحقيقي للمدير التنفيذي. فبينما تُروّج بعض الخطابات لربط القيادة التنفيذية بمهارات التواصل أو التنمية البشرية فقط، يغيب عن البعض أن الإدارة التنفيذية كما ينبغي تحتاج إلى عقلية استراتيجية، وتجربة ميدانية، وفهم عميق للتشغيل والتمويل واتخاذ القرار.

في هذه المقالة، نُوضح المعايير الجوهرية التي يجب أن تتوفر في أي شخص يتولى مسؤولية الإدارة التنفيذية، ولماذا لا يكفي امتلاك “كاريزما” أو مهارات خطابة للنجاح في هذا الدور الحاسم.

⸻

ما هي الإدارة التنفيذية؟

الإدارة التنفيذية (Executive Management) هي المستوى الأعلى من المسؤولية داخل المؤسسات، وهي المعنية بتنفيذ الخطط الاستراتيجية، وإدارة العمليات اليومية، وتحقيق النمو المستدام. ويُعد المدير التنفيذي (CEO أو GM) هو رأس الهرم الإداري، والمسؤول عن الربط بين الرؤية وبين الواقع التشغيلي.

⸻

لماذا لا تكفي المهارات الناعمة فقط؟

رغم أهمية مهارات التواصل والإقناع في عالم الإدارة، إلا أنها لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا من متطلبات القيادة التنفيذية. المدير التنفيذي الحقيقي يجب أن يمتلك:

1. فهم عميق للمجال الميداني

لا يمكن قيادة شركة أو مشروع دون معرفة تفاصيل العمليات، وخصائص السوق، وتحديات التنفيذ.

مثلًا: لا يمكن إدارة شركة لوجستية دون فهم لحركة الشحن، وإدارة السلاسل، والتحديات الجمركية.

2. خبرة عملية وليست نظرية

الإدارة التنفيذية الناجحة مبنية على الخبرات المتراكمة، والتجربة المباشرة في اتخاذ قرارات صعبة، والتعامل مع الأزمات، وليس فقط الحضور في ورش تنمية بشرية.

3. مهارات تحليل الأعمال والبيانات

من أهم مهارات المدير التنفيذي القدرة على قراءة البيانات المالية، وتحليل الأداء، واتخاذ قرارات مبنية على الأرقام لا المشاعر.

4. القدرة على بناء فرق عمل وتنظيمها

وهنا لا يكفي التحفيز اللفظي، بل يجب أن يكون لدى المدير التنفيذي القدرة على اختيار الكفاءات، وبناء هيكل تنظيمي فاعل، ووضع مؤشرات أداء واضحة.

5. إدارة التغيير والتطوير

العالم يتغير بسرعة، والإدارة التنفيذية مطالبة بقيادة التغيير داخل المؤسسة، سواء كان ذلك عبر التحول الرقمي، أو إعادة هيكلة الأقسام، أو دخول أسواق جديدة.

⸻

مظاهر التبسيط الخاطئ لدور المدير التنفيذي

للأسف، تنتشر بعض المظاهر التي تضعف قيمة هذا الدور، منها:

•التركيز المبالغ فيه على الكاريزما: وكأن الحضور القوي كافٍ للقيادة.

•الاعتماد على الدورات القصيرة: حيث يُختصر الطريق بمنح ألقاب “قائد” بعد أسبوع تدريبي!

•الإغفال الكامل للخبرة الميدانية: مما يؤدي لتعيين أشخاص في مواقع حساسة بلا أساس معرفي أو تجريبي.

⸻

الإدارة التنفيذية: علم وفن ومسؤولية

الإدارة ليست مجرد فن تواصلي، بل علم يُبنى على:

•التحليل المالي

•إدارة المشاريع

•إدارة الموارد

•استراتيجيات النمو والتوسع

•قراءة المؤشرات الاقتصادية والسوقية

ولذلك، لا يصح أن تُختزل في “حفلات تحفيزية” أو “شهادات تنمية بشرية”، بل يجب أن تكون مبنية على مسار مهني واضح، وتدرّج وظيفي، واختبارات حقيقية في الواقع العملي.

⸻

خلاصة

الإدارة التنفيذية كما ينبغي هي مسؤولية كبرى لا يتحمّلها إلا من امتلك الرؤية، والخبرة، والمعرفة الميدانية العميقة. هي أكثر من مجرد منصب أو لقب، بل التزام حقيقي بتحقيق نتائج، وتحمّل قرارات، وقيادة بشر.

يجب أن نعيد تعريف هذا الدور بعيدًا عن التجميل الظاهري، وأن نُعلي من قيمة التجربة والعلم، لا فقط من يملك مهارات الإلقاء أو لغة الجسد